(- حورية المطر - )
لأنها ناي وقيثارة ، بطهر آية تتلو الحزن بوجع المُرهقين فجراً ، وتتبوأ من الغمام عرش أميرة ، وتهب الشعر ثورة السحاب ، وترهق شدو البلابل بحنجرةٍ من ماء ، صوتها رذاذ وديم لا ينقطع ، لتهب أرضها الأم ربيعاً يحتضن الطبيعة تحت لحافِ فرح ، وهي تطأ بأقدام الفضيلة رياضاً من خزامى كانت وطناً للُرحل
ولأنها سماء توشحت مساء الجمال بعتمته ، كانت أجمل من المساء ، لتترك للغرباء قاموس من ضوء يبحثون في أقسامه البيضاء عن أمل لاكتشاف مصدر للطمأنينة ، ليتأدلج كل غريب تحت سقف نورها الوضاء حاملاً الشعر والكفن والأمنية
ويتنفس الصعداء كل من كان يعاني من ضيق تنفس بأنفاس من رائحة الجنة تبعثها المخبوءة بالطفولة والأعياد والحلوى لصبر غريقٍ في بحرها من زمنٍ أعياه ظهور روائح الحزن الكريهة
ولأنها أمنية ترقد في قلب بارد هدهدهُ التعب ، وأضناه الهجير خلف مواسم الحصاد ، سكنت أربع حجرات وقائمة تطول من شرايين وأوردة ، كخرافة من عالم قديم يشبه عطاء الأمومة ومواقف الإنسانية المتواصلة برحمة السماء ، ليتحسس دفء روح لا يمل من متابعتها والمكوث بين أوراقها دونما تعلم أنه يخفي من الحنين سرب خلف سرب خلف سرب من طيور هجرت أعشاشها ، لتسكن بغصة في روحِ شاعرٍ يحاول الهرب قبل أن تصل إليه يد الأحلام البليدة لطرد أمنية وتوطين يأس
ولأنها أبعد من نظرةِ حالم وأرفع مستوىً من اقتناصِ لحظة بوحٍ في فكرِ آثم ، و لأنها تناجي الورد والعصافير والفراشات كملاك رحمة ، ترسل الورد والعصافير لصدرٍ يزفر من وجع ، ويئن من ألمِ سنينَ خبأت له الفقر، وذكرى بؤس ، وأصداء جحود ، وموطنُ حزنٍ في كل يومٍ وكل ليلة لتترك بخور ورسائل لم تكن تعني للحالم سوى مماطلة الأحلام بتحقيق نصر ، هو يعلم أنه لن يتحقق ..؟
ولأنها كل ما تبقى من طعم ابتسامة، وجوع عاطفة ، يخشى عليها أن ترحل وهو يجمع لها زهور الأرض ودواوين الشعر
لينذر وعده للشجر والتراب والسماء بأنه هارب منها إليها بصمت وخوف ، لايجرؤحتى على الاقتراب من ظلالها ، وأسوارها الطويلة، وهي من سجنته بسرعة الضوء في معتقل حزنها المؤلم وأوجه شبه بينهما
ولأنه يشبهها بتقاسم الألم والطفولة والأحلام المسجونة على صدر الورق وبين ملفات الذكرى التي تستفز مكابرة رجل على إخفاء دمعة
كان يعشقها بصمت لكي لا يصيب زجاج نافذتها بخدش وهو يطرق نافذتها فلا ترى المطر بوضوح وهي إبنة المطر
خوفاً عليها لعلمه بأن قلبها يبكي وهي تضحك ، وإن كان سبب في بكاء حبيبته كيف يغفر لنفسه ماقام به .. وماذا يتوسد ببكائها لكي تغمض له عين وينام ..؟
والشبه بيني وبين حبيبتي لا يقتصر على حدود ، فكم قرأت قلبها الطاهر بجنون ودموع وضحك كما تملي هي إحساسها ، وأعلم أنها لو أرادت لقرأت قلبي بجنون مماثل
وكأننا تقاسمنا الصمت خوفاً من عاطفتنا المجنونة وأقدار عانقتنا بالخيبات تجتر لنا طعون قديمة من رياء ونفاق ومصالح لمعارك كانت بين القلب والقلب ، استنزفنا فيها كل طاقات القلوب لمواصلة العيش بأجساد فقط
لذلك ولها ولقلبها
ولروحها ولبرائتها
ولعفتها وقداسة فكرها
وعطر كلماتها ودمع قلبها
وجرح خاطرها وخجلها
ولرائحة طهرها
وابتساماتها
وخجل عينيها
لا يزال يدعو لها بالجنة في كل إغماضة جفن حتى أصبح القلب يتمتم بالأدعية مرتين في كل نبضة ويسر للسماوات بعشقه وأمانيه كل فجر وهو يحتضن طيفها بدمعة
فقط .. خوفا منها...... و......عليها